صدام حسين.. الحقائق التي ينكرها العرب

اليوم بعد ٣٠ سنة من حرب تحرير الكويت و١٥ سنة من اعدام الطاغية نشأ جيل جديد لم يشهد او يعي احداث المنطقة ايام حكم صدام حسين للعراق وأصبح هذا الجيل يشكل معظم الشعب العربي
لعل اخطر ما في شخصية صدام ليس كونه دكتاتور او حاكم مستبد وانما أذرعه الإعلامية العابرة للحدود التي تقلب الحقائق ونجحت بالتدليس وتضليل الرأي العام العربي، وما كانت فضيحة كوبونات النفط إلا مجرد رأس لجبل الجليد، مثال على حقيقة بسيطة تغيب عن اذهان الكثير وهي ان صدام حسين لم يكن ضابط او حتى جندي ولم يتم حتى قبوله في كلية عسكرية، لكن بسبب عقدة النقص هذه عنده ابتدع لنفسه رتبة لما وصل للحكم اسماها رتبة مهيب ركن، وكان يتدخل في عمل الضباط فيسبب بجهله كوارث ثم يعدم ضباط أكفاء ككباش فداء، وهذا احد اسباب إطالة امد حربه مع ايران، وفي هذه المقالة سنسلط الضوء على حقائق تلاعبت بها الأذرع الإعلانية لصدام حسين فمنها ما طمس ومنها ما دلس عليه ومنها ما تم قلبه، وسنقسمها إلى ٤ محاور:
١- صراع صدام مع ايران
٢- ازمة الخليج
٣- القضية الفلسطينية
٤- وضع العراق
١- صراع صدام مع ايران
يتوهم الكثيرين ان صدام كان منتصر على ايران ناجح بقمع ما يسمى بالمشروع الصفوي، والحقيقة ان ايران التي تفخر اليوم بسيطرتها على ٤ عواصم عربية كانت قد سيطرت على ٢ منها في زمن صدام ورغم عن انفه، فقد مد صدام ذراعه داخل لبنان ودعم ميشيل عون خلال الحرب الأهلية بينما انشأت ايران حزب الله ودعمته، وانتهت الحرب بهروب عون ولجوئه إلى فرنسا بينما اصبح حزب الله اقوى من الدولة او دولة داخل دولة كما يصفه معظم اللبنانيين
اما بالنسبة لحربه المباشرة مع ايران والتي استمرت ٨ سنوات فكانت في اول سنتين فقط تخاض معاركها على الاراضي الايرانية باقي السنوات كانت المعارك على الاراضي العراقية، ووصل الجيش الايراني إلى تخوم البصرة ولولا الدعم الخليجي والعربي للعراق والتدخل الامريكي فيما عرف بحرب الناقلات ما رجعت الفاو، وانتهت الحرب بالعودة لاتفاقية الجزائر التي مزقها صدام لما اعلن قيام الحرب فلم يحقق مكاسب تذكر للعراق بل انه قدم بعدها تنازلات لايران حتى يضمن حيادها خلال غزوه للكويت
٢- ازمة الخليج
غزو صدام للكويت واحتلالها ما كان مجرد اعتداء على الشعب الكويتي، الحقيقة التي يتناساها كثير من الناس هي ان معظم سكان الكويت من الوافدين ولما حصل الغزو كثير منهم تضرروا وتعرضوا للقتل والسرقات والاعتقالات والتعذيب في المعتقلات وهتك الأعراض، هذه الجرائم التي قام بها زبانية صدام طالت العرب والآسيويين وحتى البدون ولم تقتصر على الكويتيين، بل وطالت حتى الحيوانات والطيور والسمك في البحر فجريمة حرق آبار النفط وسكب أطنان منه في البحر سببت كارثة بيئة قل لها نظير، كذلك هذه الجرائم ما انتهت بانتهاء حرب تحرير الكويت فقد ظل عشرات الآلاف من الكويتيين معتقلين في سجون صدام معظمهم مدنيين، وكثير منهم ما افرج عنهم صدام طواعية بل ساعدت الانتفاضة الشعبانية التي سيطرت على كثير من محافظات العراق الافراج عنهم وبسبب الفوضى كثير من هؤلاء المواطنين توجهوا للحدود الكويتية سيرًا على الأقدام، وبقي اكثر من ٦٠٠ كويتي في سجون الطاغية ظل هو ينكر معرفة أي شئ عنهم، إلى ان سقط نظامه اكتشفت جثثهم في المقابر الجماعية واكتشفت وثيقة تعود لسنة ١٩٩٨ تشير لعفو اصدره صدام للسجناء لكن يستثنى منه الكويتيين ويأمر باعتبارهم مجرمي حرب
اما بالنسبة لمبررات الغزو فتنقسم قسمين:
١- اسباب معلنة عبارة عن اكاذيب وافتراءات
٢- اسباب غير معلنة
الاسباب المعلنة كان صدام وأبواقه يغيرونها في كل مرحلة مما يدل على كذبهم، ففي صيف سنة ١٩٩٠ ادعى ان الكويت والامارات اغرقتا سوق النفط بفائض انتاج مما تسبب بنزول الاسعار وإلحاق الضرر بالاقتصاد العراقي، والحقيقة ان الكويت وحتى الامارات تعتبر بلاد صغيرة ولا يمكنها التحكم بسعر النفط الذي كان هبوطه نتيجة سياسات دول كبرى تستهدف الاتحاد السوفيتي والضرر الاقتصادي طال كل دول الخليج التي لم تكن راضية على نزول الاسعار ولم تتسبب به، ثم قبل الغزو بأيام اتهم صدام الكويت بسرقة نفط حقل الرميلة والحقيقة ان حقل الرتقة شمال الكويت يختلف عن حقل الرميلة جنوب العراق بدليل اختلاف تركيبة النفط وارتفاع نسبة الكبريت في الحقل الكويتي مما يجعله نفط منخفض الجودة ومسألة الحفر المائل كذب، ثم في يوم الغزو ادعى ان الكويتيين ثاروا على اسرة الصباح وطلبوا مساعدة الجيش العراقي وأن الكويت تاريخيا ارض عراقية عبارة عن قضاء تابع للبصرة، والأدلة المفندة لهذه الفرية عديدة منها:
١- العملة: فقد كانت العملة المتداولة في الكويت تختلف عن العملة المتداولة في البصرة
٢- تقرير السياسي العثماني الكبير مدحت باشا الذي جمعت له ولايتي بغداد والبصرة فقد ذكر ان الكويت لم تكن تابعة لأي حكومة ونظامها شبه جمهوري وانتقد والي البصرة السابق نامق باشا الذي حاول ضم الكويت بالقوة
٣- انتقال مقر شركة الهند الشرقية التابعة لهولندا من البصرة إلى الكويت بعد تدهور العلاقات بين الشركة والسلطات العثمانية
٤- عدم دفع ضرائب من الكويت للدولة العثمانية وعدم وجود حامية عثمانية في الكويت وعدم تدخل العثمانيين لحماية الكويت رغم تعرضها لاعتداءات في مراحل مختلفة وانما ابناؤها هم من بنى السور وقدموا الشهداء دفاعًا عنها
٥- مساحة الكويت قبل مؤتمر العقير سنة ١٩٢٢ كانت ثلاث أضعاف مساحتها اليوم أي اكبر من كل محافظة البصرة فكيف تكون مجرد قضاء صغير تابع له
بعد احتلال الكويت بأيام ادعى صدام ان طريق تحرير القدس يمر عبر الكويت، وبعد حرب التحرير وبروز اسم قائد عملية عاصفة الصحراء الجنرال شوارسكوف ادعت ابواق صدام ان شوارزكوف كان موجود في الكويت قبل الازمة وكان يشرف على مناورات مشتركة اعتبر بها العدو في الشمال فدخول الجيش العراقي للكويت عمل دفاعي، والحقيقة ان زيارة شوارسكوف كانت قصيرة ولم تكن هناك مناورات مشتركة، ثم بعد سقوط نظام صدام وإلقاء القبض عليه في الحفرة والتحقيق معه ادعى ان الكويتيين قذفوا في شرف المرأة العراقية، وهي كذبة اخرى لا تقل عن كذبة رامسفيلد بخصوص أسلحة الدمار الشامل، لكن سبحان الله كما افترى هو على الكويت واعتدى عليها سلط الله عليه من يتهمه دون دليل ويغزوه ويسقط نظامه
وأما الأسباب غير المعلنة وهي الدوافع الحقيقية للغزو فقد أشار لها منشقين من نظام صدام مثل صلاح عمر العلي وحامد الجبوري اللذان أدليا بشهادتهما على العصر في البرنامج المعروف على قناة الجزيرة فكلاهما أشارا إلى تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق مما يهدد بقيام ثورة او انقلاب على صدام فقرر غزو الكويت طمعًا بثرواتها وتحويل أنظار العراقيين عن فشله في سياساته الداخلية
والمتأمل في تاريخ العراق الحديث يلاحظ هذه السياسة المتبعة منذ زمن الملك الغازي، كلما فشلوا في سياستهم الداخلية اصطنعوا مشكلة مع الكويت اصغر دول الجوار لابعاد الأنظار عن فشلهم، تكرر هذا مع عبدالكريم قاسم الذي استولى على السلطة بانقلاب ثم مع صدام حسين سنة ١٩٩٠
٣- القضية الفلسطينية
كان صدام حسين من اكبر المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ولا يكاد يعرف عنه ابناء هذا الجيل إلا انه ضرب اسرائيل ب٣٩ صاروخ لكن ما عرفوا انه بعد الحرب دفع تعويضات للصهاينة المحتلين بالملايين عن يد وهو صاغر وما عرفوا ان صواريخه ال٣٩ ما قتلت مستوطن إلا عجوز يهودية ماتت بالسكتة القلبية من الخوف، وما عرفوا ان هدف صدام من الصواريخ هو سحب اسرائيل للمشاركة في حرب الخليج لخلط الاوراق واقناع الناس ان طريق تحرير فلسطين يمر عبر احتلال الكويت، هذا بالاضافة إلى ان صدام حسين من اوائل من شق الصف الفلسطيني بدعمه ابونضال رئيس مكتب فتح في بغداد والذي انشق عنها وكانت نصف عملياته المسلحة ضد الفلسطينيين وربعها ضد العرب والربع الأخير عمليات اقرب للخيبة ضد الصهاينة مثل عملية لندن التي مهدت لشارون اجتياح بيروت، ايضآ لما قامت انتفاضة الاقصى حاول صدام ان يركبها فأعلن تشكيل جيش تحرير القدس من ٦ مليون مقاتل، لكن ظل هذا الجيش ٣ سنوات يقدم العروض في الشوارع فلا حرر القدس ولا دافع عن بغداد
٤- وضع العراق صدام
اكثر من عانى من بطش صدام حسين فهو الشعب العراقي ذاته، العرب قبل الاكراد السنة قبل الشيعة حتى عشيرته ما سلمت من شره، وطبعا اول ضحاياه كانوا رفاقه في الحزب الذي استهل عهده بإعدامهم لمجرد الشبهة ولإرهاب بقية الرفقاء
بعد تولي صدام الحكم بسنتين بدأ السقوط الحر، فدخل صدام حرب ضد ايران مما كلف العراق والمنطقة خسائر هائلة، ثم بعد مقامرته في الكويت فرضت عليه عقوبات دولية أدت لضياع جزء كبير من سيادة الدولة، فكان الطيران التركي يصول ويجول ويقصف في شمال العراق كما يحلو له، ولا طائرة مدنية تستطيع التحليق فوق البصرة بأمر الامريكان، وكان الشعب العراقي يعاني نقص الغذاء والدواء لكن في نفس الوقت كان صدام حسين يحتفل سنويا بعيد ميلاده بخبز كعك بحجم دوار وانفاق الملاين على هذه الحفلات وملاين اخرى على اصنامه حتى قيل ان تعداد سكان بغداد ٥ مليون ٢ مليون انسان و٣ مليون تمثال لصدام، وكثير من قصوره عمرها في زمن الحصار، وكان الفرد لا يأمن على نفسه فقد يتعرض في أي لحظة للاعتقال والبطش لمجرد انه له قريب او صديق معارض للنظام
كل هذا إنما يدل على خوف الطاغية من شعبه برغم كل سياسة البطش التي استعملها، وهذا شأن الطغاة المستبدين كما بين الكواكبي في كتابه القيم طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، فكان صدام وهو في أوج جبروته وحكمه للعراق بقبضة حديدية لا يجرؤ ان ينام على نفس الوسادة ليلتين متتاليتين، فكان دائم التنقل بين قصوره ويخفي قراره عن مكان مبيته للمقربين او يغير قرار مكان مبيته في اللحظة الاخيرة خوفا من الاغتيال، ولم يغادر العراق منذ حرب الخليج سنة ١٩٩١ لحضور أي اجتماع او زيارة لأي رئيس دولة، فدولة لا يحكمها ولا تنتشر بها مخابراته وحرسه وجيشه واجهزته الأمنية لا يجرؤ ان يتواجد بها، ولما قامت حرب ال٢٠٠٣ هرب من القصور إلى الجحور، والحمد لله الذي خلص الامة من هذا الطاغية وتم إعدامه في اصغر تهمة موجهة له ولم يحاكم في الدنيا على جرائمه في الكويت فلا توجد محكمة دنيوية تستطيع الاقتصاص ورد كل الحقوق، وأما نطقه للشهادتين عند حبل المشنقة فيذكر بفرعون الذي قال “آمنت ان لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين” (سورة يونس، الاية ٩٠)